فصل: الفصل الحادي والعشرون فيما يعرض في الدول من حجر السلطان والاستبداد عليه

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» **


  الفصل العشرون في أحوال الموالي والمصطنعين في الدول

اعلم أن المصطنعين في الدول يتفاوتون في الالتحام بصاحب الدولة بتفاوت قديمهم وحديثهم في الالتحام بصاحبها‏.‏ والسبب في ذلك أن المقصود في العصبية من المدافعة والمغالبة إنما يتم بالنسب لأجل التناصر في ذوي الأرحام والقربى والتخاذل في الجانب والبعداء كما قدمناه‏.‏ والولاية والمخالطة بالرق أو بالحلف تتنزل منزلة ذلك لأن أمر النسب وإن كان طبيعياً فإنما هو وهمي والمعنى الذي كان به الالتحام إنما هو العشرة والمدافعة وطول الممارسة والصحبة بالمربى والرضاع وسائر أحوال الموت والحياة‏.‏ وإذا حصل الالتحام بذلك جاءت النعرة والتناضر وهذا مشاهد بين الناس‏.‏ واعتبر مثله في الاصطناع ة فإنه يحدث بين المصطنع ومن اصطنعه نسبة خاصة من الوصلة تتنزل هذه المنزلة وتؤكد اللحمة وإن لم يكن نسب فثمرات النسب موجودة‏.‏ فإذا كانت هذه الولاية بين القبيل وبين أوليائهم قبل حصول الملك لهم كانت عروقها أوشج وعقائدها أصح ونسبها أصرح لوجهين‏:‏ أحدهما أنهم قبل الملك أسوة في حالهم فلا يتميز النسب عن الولاية إلا عند الأقل منهم فيتنزلون منهم منزلة ذوي قرابتهم وأهل أرحامهم‏.‏ وإذا اصطنعوهم بعد الملك كانت مرتبة الملك مميزة للسيد عن المولى ولأهل القرابة عن أهل الولاية والاصطناع لما تقتضيه أحوال الرياسة والملك من تميز الرتب وتفاوتها فتتميز حالتهم ويتنزلون منزلة الأجانب ويكون الالتحام بينهم أضعف والتناصر لذلك أبعد وذلك أنقص من الاصطناع قبل الملك‏.‏ الوجه الثاني‏:‏ أن الاصطناع قبل الملك يبعد عهده عن أهل الدولة بطول الزمان ويخفي شأن تلك اللحمة ويظن بها في الأكثر النسب فيقوى حال العصبية‏.‏ وأما بعد الملك فيقرب العهد ويستوي في معرفته الأكثر فتتبين اللحمة وتتميز عن النسب فتضعف العصبية بالنسبة إلى الولاية التي كانت قبل الدولة‏.‏ واعتبر ذلك في الدول والرياسات تجده‏.‏ فكل من كان اصطناغه قبل حصول الرياسة والملك لمصطنعه تجده أشد التحاماً به وأقرب قرابة إليه ويتنزل منه منزلة أبنائه وإخوانه وذوي رحمه‏.‏ ومن كان اصطناعه بعد حصول الملك والرياسة لمصطنعه لا يكون له من القرابة واللحمة ما للأولين‏.‏ وهذا مشاهد بالعيان حتى أن الدولة في آخر عمرها ترجع إلى استعمال الأجانب واصطناعهم ولا يبنى لهم مجد كما بناه المصطنعون قبل الدولة لقرب العهد حينئذ بأوليتهم ومشارفة الدولة على الانقراض فيكونون منحطين في مهاوي الضعة‏.‏ وإنما يحمل صاحب الدولة على اصطناعهم والعدول إليهم عن أوليائها الأقدمين وصنائعها الأولين ما يعتريهم في أنفسهم من العزة على صاحب الدولة وقلة الخضوع له ونظره بما ينظره به قبيله وأهل نسبه لتأكد اللحمة منذ العصور المتطاولة بالمربى والاتصال بآبائه وسلف قومه والانتظام مع كبراء أهل بيته فيحصل لهم بذلك دالة عليه واعتزاز فينافرهم بسببها صاحب الدولة ويعدل عنهم إلى استعمال سواهم ويكون عهد استخلاصهم واصطناعهم قريباً فلا يبلغون رتب المجد ويبقون على حالهم من الخارجية وهكذا شأن الدول في أواخرها‏.‏ وأكثر ما يطلق اسم الصنائع والأولياء على الأولين‏.‏ وأما هؤلاء المحدثون فخدم وأعوان‏.‏ والله ولي المؤمنين وهو على كل شيء وكيل‏.‏

  الفصل الحادي والعشرون فيما يعرض في الدول من حجر السلطان والاستبداد عليه

إذا استقر الملك في نصاب معين ومنبت واحد من القبيل القائمين بالدولة وانفردوا به ودفعوا سائر القبيل عنه وتداوله بنوهم واحداً بعد واحد بحسب الترشيح فربما حدث التغلب على المنصب من وزرائهم وحاشيتهم‏.‏ وسببه في الأكثر ولاية صبي صغير أو مضعف من أهل المنبت يترشح للولاية بعهد أبيه أو بترشيح ذويه وخوله ويؤنس منه العجز عن القيام بالملك فيقوم به كافله من وزراء أبيه وحاشيته ومواليه أو قبيله ويوري عنه بحفظ أمره عليه حتى يؤنس منه الاستبداد ويجعل ذلك ذريعة للملك‏.‏ فيحجب الصبي عن الناس ويعوده اللذات التي يدعوه إليها ترف أحواله ويسيمه في مراعيها متى أمكنه وينسيه النظر في الأمور السلطانية حتى يستبد عليه‏.‏ وهو بما عوده يعتقد أن حظ السطان من الملك إنما هو جلوس السرير وإعطاء الصفقة وخطاب التهويل والقعود مع النساء خلف الحجاب وأن الحل والربط والأمر والنهي ومباشرة الأحوال الملوكية وتفقدها من النظر في الجيش والمال والثغور إنما هو للوزير ويسلم له في ذلك إلى أن تستحكم له صبغة الرياسة والاستبداد ويتحول الملك إليه ويؤثر به عشيرته وأبناءه من بعده‏.‏ كما وقع لبني بويه والترك وكافور الإخشيدي وغيرهم بالمشرق وللمنصور بن أبي عامر بالأندلس‏.‏ وقد يتفطن ذلك المحجور المغلب لشأنه فيحاول على الخروج من ربقة الحجر والاستبداد ويرجع الملك إلى نصابه ويضرب على أيدي المتغلبين عليه إما بقتل أو برفع عن الرتبة فقط إلا أن ذلك في النادر الأقل لأن الدولة إذا أخذت في تغلب الوزراء والأولياء استمر لها ذلك وقل أن تخرج عنه لأن ذلك إنما يوجد في الأكثر عن أحوال الترف ونشأة أبناء الملك منغمسين في نعيمه قد نسوا عهد الرجولة وألفوا أخلاق الدايات والاظآر وربوا عليها فلا ينزعون إلى رياسة ولا يعرفون استبداداً من تغلب إنما همهم في القنوع بالأبهة والتفنن في اللذات وأنواع الترف‏.‏ وهذا التغلب يكون للموالي والمصطنعين عند استبداد عشير الملك على قومهم وانفرادهم به دونهم‏.‏ وهو عارض للدولة ضروري كما قدمناه‏.‏ وهذان مرضان لا برء للدولة منهما إلا في الأقل النادر‏.‏ ‏"‏ والله يؤتي ملكه من يشاء وهو على كل شيء قدير ‏"‏‏.‏ في أن المتغلبين على السلطان لا يشاركونه في اللقب الخاص بالملك وذلك أن الملك والسلطان حصل لأوليه مذ أول الدولة بعصبية قومه وعصبيته التي استتبعتهم حتى استحكمت له ولقومه صبغة الملك والغلب وهي لم تزل باقية وبها انحفظ رسم الدولة وبقاؤها وهذا المتغلب وإن كان صاحب عصبية من قبيل الملك أو الموالي والصنائع فعصبيته مندرجة في عصبية أهل الملك وتابعة لها وليس له صبغة في الملك‏.‏ وهو لا يحاول في استبداده انتزاع الملك ظاهراً وإنما يحاول انتزاع ثمراته من الأمر والنهي والحل والعقد والإبرام والنقض يوهم فيها أهل الدولة أنه متصرف عن سلطانه منفذ في ذلك من وراء الحجاب لأحكامه‏.‏ فهو يتجافى عن سمات الملك وشاراته وألقابه جهده ويبعد نفسه عن التهمة بذلك وإن حصل له الاستبداد لأنه مستتر في استبداده ذلك بالحجاب الذي ضربه السلطان وأولوه على أنفسهم عن القبيل منذ أول الدولة ومغالط عنه بالنيابة‏.‏ ولو تعرض لشيء من ذلك لنفسه عليه أهل العصبية وقبيل الملك وحاولوا الاستئثار به دونه لأنه لم تستحكم له في ذلك صبغة تحملهم على التسليم له والانقياد فيهلك لأول وهلة‏.‏ وقد وقع مثل هذا لعبد الرحمن بن الناصر بن المنصور بن أبي عامر حين سما إلى مشاركة هشام وأهل بيته في لقب الخلافة ولم يقنع بما قنع به أبوه وأخوه من الاستبداد بالحل والعقد والمراسم المتتابعة‏.‏ فطلب من هشام خليفته أن يعهد له بالخلافة فنفس ذلك عليه بنو مروان وسائر قريش وبايعوا لابن عم الخليفة هشام محمد بن عبد الجبار بن الناصر وخرجوا عليه‏.‏ وكان في ذلك خراب دولة العامريين وهلاك المؤيد خليفتهم واستبدل منه سواه من أعياص الدولة إلى آخرها واختلت مراسم ملكهم‏.‏ والله خير الوارثين‏.‏

  الفصل الثالث والعشرون في حقيقة الملك وأصنافه

الملك منصب طبيعي للإنسان لأنا قد بينا أن البشر لا يمكن حياتهم ووجودهم إلا باجتماعهم وتعاونهم على تحصيل قوتهم وضرورياتهم‏.‏ وإذا اجتمعوا دعت الضرورة إلى المعاملة واقتضاء الحاجات ومد كل واحد منهم يده إلى حاجته يأخذها من صاحبه لما في الطبيعة الحيوانية من الظلم والعدوان بعضهم على بعض ويمانعه الآخر عنها بمقتضى الغضب والأنفة ومقتضى القوة البشرية في ذلك فيقع التنازع المفضي إلى المقاتلة وهي تؤدي إلى الهرج وسفك الدماء وإذهاب النفوس المفضي ذلك إلى انقطاع النوع وهو مما خصة الباري سبحانه بالمحافظة واستحال بقاؤهم فوضى دون حاكم يزع بعضهم عن بعض واحتاجوا من أجل ذلك إلى الوازع وهو الحاكم عليهم وهو بمقتضى الطبيعة البشرية الملك القاهر المتحكم‏.‏ ولا بد في ذلك من العصبية لما قدمناه من أن المطالبات كلها والمدافعات لا تتم إلا بالعصبية‏.‏ وهذا الملك كما تراه منصب شريف تتوجه نحوه المطالبات ويحتاج إلى المدافعات ولا يتم شيء من ذلك إلا بالعصبيات كما مر‏.‏ والعصبيات متفاوتة وكل عصبية فلها تحكم وتغلب على من يليها من قومها وعشيرها‏.‏ وليس الملك لكل عصبية وإنما الملك على الحقيقة لمن يستعبد الرعية ويجبي الأموال ويبعث البعوث ويحمي الثغور ولا تكون فوق يده يد قاهرة‏.‏ وهذا معنى الملك وحقيقته في المشهور‏.‏ فمن قصرت به عصبيته عن بعضها مثل حماية الثغورأو جباية الأموال أو بعث البعوث فهو ملك ناقص لم تتم حقيقته كما وقع لكثير من ملوك البربر في دولة الأغالبة بالقيروان ولملوك العجم صدر الدولة العباسية‏.‏ ومن قصرت به عصبيته أيضاً عن الاستعلاء على جميع العصبيات والضرب على سائر الأيدي وكان فوقه حكم غيره فهو أيضاً ملك ناقص لم تتم حقيقته وهؤلاء مثل أمراء النواحي ورؤساء الجهات الذين تجمعهم دولة واحدة‏.‏ وكثيراً ما يوجد هذا في الدولة المتسعة النطاق أعني توجد ملوك على قومهم في النواحي القاصية يدينون بطاعة الدولة التي جمعتهم مثل صنهاجة مع العبيديين وزناتة مع الأمويين تارة والعبيديين تارة أخرى ومثل ملوك العجم في دولة بني العباس ومثل أمراء البربر وملوكهم مع الفرنجة قبل الإسلام ومثل ملوك الطوائف من الفرس مع الإسكندر وقومه اليونانيين وكثير من هؤلاء‏.‏ فاعتبره تجده‏.‏ والله القاهر فوق عباده‏.‏

  الفصل الرابع والعشرون في أن إرهاف الحد مضر بالملك ومفسد له في الأكثر

اعلم أن مصلحة الرعية في السلطان ليست في ذاته وجسمه من حسن شكله أو ملاحة وجهه أو عظم جثمانه أو اتساع عمله أو جودة خطه أو ثقوب ذهنه وإنما مصلحتهم فيه من حيث إضافتة إليهم فإن الملك والسلطان من الأمور الإضافية وهي نسبة بين منتسبين‏.‏ فحقيقة السلطان أنه المالك للرعية القائم في أمورهم عليهم فالسلطان من له رعية والرعية من لها سلطان والصفة التي له من حيث إضافته لهم هي التي تسمى الملكة وهي كونه يملكهم فإذا كانت هذه الملكة وتوابعها من الجودة بمكان حصل المقصود من السلطان على أتم الوجوه فإنها إن كانت جميلة صالحة كان ذلك مصلحة لهم وإن كانت سيئة متعسفة كان ذلك ضرراً عليهم ويعود حسن الملكة إلى الرفق‏.‏ فإن الملك إذا كان قاهراً باطشاً بالعقوبات منقباً عن عورات الناس وتعديد ذنوبهم شملهم الخوف والذل ولاذوا منه بالكذب والمكر والخديعة فتخلقوا بها وفسدت بصائرهم وأخلاقهم وربما خذلوه في مواطن الحروب والمددافعات ففسدت الحماية بفساد النيات وربما أجمعوا على قتله لذلك فتفسد الدولة ويخرب السياج وإن دام أمره عليهم وقهره فسدت العصبية لما قلناه أولاً وفسد السياج من أصله بالعجز عن الحماية‏.‏ وإذا كان رفيقاً بهم متجاوزاً عن سيئاتهم استناموا إليه ولاذوا به وأشربوا محبته واستماتوا دونه في محاربة أعدائه فاستقام الأمر من كل جانب‏.‏ وأما توابع حسن الملكة فهي النعمة عليهم والمدافعة عنهم فالمدافعة بها تتم حقيقة الملك وأما النعمة عليهم والإحسان لهم فمن جملة الرفق بهم والنظر لهم في معاشهم وهي أصل كبير في التحبب إلى الرعية‏.‏ واعلم أنه قلما تكون ملكة الرفق فيمن يكون يقظاً شديد الذكاء من الناس وأكثر ما يوجد الرفق في الغفل والمتغفل‏.‏ وأقل ما يكون في اليقظ أنه يكلف الرعية فوق طاقتهم لنفوذ نظره فيما وراء مداركهم واطلاعه على عواقب الأمور في مباديها بألمعيته فيهلكون‏.‏ لذلك قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ سيروا على سير أضعفكم ‏"‏‏.‏ ومن هذا الباب اشترط الشارع في الحاكم قلة الإفراط في الذكاء ومأخذه من قصة زياد بن أبى سفيان لما عزله عمر عن العراق وقال‏:‏ ‏"‏ لم عزلتني يا أمير المومنين ألعجز أم لخيانة ‏"‏ فقال عمر‏:‏ ‏"‏ لم أعزلك لواحدة منهما ولكني كرهت أن أحمل فضل عقلك على الناس ‏"‏‏.‏ فأخذ من هذا أن الحاكم لا يكون مفرط الذكاء والكيس مثل زياد بن أبي سفيان وعمرو بن العاص لما يتبع ذلك من التعسف وسوء الملكة وحمل الوجود على ما ليس في طبعه كما يأتي في آخر هذا الكتاب‏.‏ والله خير المالكين‏.‏ وتقرر من هذا أن الكيس والذكاء عيب في صاحب السياسة لأنه إفراط في الفكر كما أن البلادة إفراط في الجمود‏.‏ والطرفان مذمومان من كل صفة إنسانية والمحمود هو التوسط‏:‏ كما في الكرم مع التبذير والبخل وكما في الشجاعة مع الهوج والجبن وغير ذلك من الصفات الإنسانية‏.‏ ولهذا يوصف الشديد الكيس بصفات الشيطان فيقال شيطان ومتشيطن وأمثال ذلك‏.‏ والله يخلق ما يشاء وهو العليم القدير‏.‏

  الفصل الخامس والعشرون في معني الخلافة والإمامة

لما كانت حقيقة الملك أنه الاجتماع الضروري للبشر ومقتضاه التغلب والقهر اللذان هما من آثار الغضب والحيوانية كانت أحكام صاحبه في الغالب جائرة عن الحق مجحفة بمن تحت يده من الخلق في أحوال دنياهم لحمله إياهم في الغالب على ما ليس في طوقهم من أغراضه وشهواته ويختلف ذلك باختلاف المقاصد من الخلف والسلف منهم فتعسر طاعته لذلك وتجيء العصبية المفضية إلى الهرج والقتل‏.‏ فوجب أن يرجع في ذلك إلى قوانين سياسية مفروضة يسلمها الكافة وينقادون إلى أحكامها كما كان ذلك للفرس وغيرهم من الأمم‏.‏ وإذا خلت الدولة من مثل هذه السياسة لم يستتب أمرها ولا يتم استيلاؤها‏:‏ ‏"‏ سنة الله في الذين خلوا من قبل ‏"‏‏.‏ فإذا كانت هذه القوانين مفروضة من العقلاء وأكابر الدولة وبصرائها كانت سياسة عقلية وإذا كانت مفروضة من الله بشارع يقررها ويشرعها كانت سياسة دينية نافعة في الحياة الدنيا وفي الأخرة‏.‏ وذلك أن الخلق ليس المقصود بهم دنياهم فقط فإنها كلها عبث وباطل إذ غايتها الموت والفناء والله يقول‏:‏ ‏"‏ أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً فالمقصود بهم إنما هو دينهم المفضي بهم إلى السعادة في آخرتهم‏.‏ ‏"‏ صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ‏"‏‏.‏ فجاءت الشرائع بحملهم على ذلك في جميع أحوالهم من عبادة ومعاملة حتى في الملك الذي هو طبيعي للاجتماع الإنساني فأجرته على منهاج الدين ليكون الكل محوطاً بنظر الشارع‏.‏ فما كان منه بمقتضى القهر والتغلب وإهمال القوة العصبية في مرعاها فجور وعدوان ومذموم عنده كما هو مقتضى الحكمة السياسية‏.‏ وما كان منه بمقتضى السياسة وأحكامها فمذموم أيضاً لأنه نظر بغير نور الله‏:‏ ‏"‏ ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور ‏"‏‏.‏ لأن الشارع أعلم بمصالح الكافة فيما هو مغيب عنهم من أمور آخرتهم وأعمال البشر كلها عائدة عليهم في معادهم من ملك أو غيره قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ إنما هي أعمالكم ترد عليكم ‏"‏ وأحكام السياسة إنما تطلع على مصالح الدنيا فقط‏.‏ ‏"‏ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ‏"‏ ومقصود الشارع بالناس صلاح آخرتهم فوجب بمقتضى الشرائع حمل الكافة على الأحكام الشرعية في أحوال دنياهم وآخرتهم‏.‏ وكان هذا الحكم لأهل الشريعة وهم الأنبياء ومن قام فيه مقامهم وهم الخلفاء‏.‏ فقد تبين لك من ذلك معنى الخلافة وأن الملك الطبيعي هو حمل الكافة على مقتضى الغرض والشهوة والسياسي هو حمل الكافة على مقتضي النظر العقلي في جلب المصالح الدنيوية ودفع المضار والخلافة هي حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في جراسة الدين وسياسة الدنيا به‏.‏ فافهم ذلك واعتبره فيما نورده عليك من بعد‏.‏ والله الحكيم العليم‏.‏ في اختلاف الأمة في حكم هذا المنصب وشروطه وإذ قد بينا حقيقة هذا المنصب وأنه نيابة عن صاحب الشريعة في حفظ الدين وسياسة الدنيا به تسمى خلافة وإمامة والقائم به خليفة وإماماً‏.‏ فأما تسميته إماماً فتشبيهاً بإمام الصلاة في اتباعه والاقتداء به ولهذا يقال‏:‏ الإمامة الكبرى‏.‏ وأما تسميته خليفة فلكونه يخلف النبي في أمته فيقال‏:‏ خليفة بإطلاق وخليفة رسول الله‏.‏ واختلف في تسميته خليفة الله‏.‏ فأجازه بعضهم اقتباساً من الخلافة العامة التي للآدميين في قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ إني جاعل في الأرض خليفة ‏"‏ وقوله‏:‏ ‏"‏ جعلكم خلائف الأرض ‏"‏‏.‏ ومنع الجمهور منه لأن معنى الآية ليس عليه وقد نهى أبو بكر عنه لما دعي به وقال‏:‏ ‏"‏ لست خليفة الله ولكني خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ولأن الاستخلاف إنما هو في حق الغائب وأما الحاضر فلا‏.‏ ثم إن نصب الإمام واجب قد عرف وجوبه في الشرع بإجماع الصحابة والتابعين لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عند وفاته بادروا إلى بيعة أبي بكر رضي الله عنه وتسليم النظر إليه في أمورهم‏.‏ وكذا في كل عصرمن بعد ذلك‏.‏ ولم تترك الناس فوضى في عصر من الأعصار‏.‏ واستقر ذلك إجماعاً دالاً على وجوب نصب الإمام‏.‏ وقد ذهب بعض الناس إلى أن مدرك وجوبه العقل وأن الإجماع الذي وقع إنما هو قضاء بحكم العقل فيه قالوا وإنما وجب بالعقل لضرورة الإجتماع للبشر واستحالة حياتهم ووجودهم منفردين ومن ضرورة الاجتماع التنازع لازدحام الأغراض‏.‏ فما لم يكن الحاكم الوازع أفضى ذلك إلى الهرج المؤذن بهلاك البشر وانقطاعهم مع أن حفظ النوع من مقاصد الشرع الضرورية‏.‏ وهذا المعنى بعينه هو الذي لحظه الحكماء في وجوب النبوات في البشر‏.‏ وقد نبهنا على فساده وأن إحدى مقدماته أن الوازع إنما يكون بشرع من الله تسلم له الكافة تسليم إيمان واعتقاد وهو غير مسلم لأن الوازع قد يكون بسطوة الملك وقهر أهل الشوكة ولو لم يكن شرع كما في أمم المجوس وغيرهم ممن ليس له كتاب أو لم تبلغه الدعوة أو نقول يكفي في رفع التنازع معرفة كل واحد بتحريم الظلم عليه بحكم العقل فادعاؤهم أن ارتفاع التنازع إنما يكون بوجود الشرع هناك ونصب الإمام هنا غير صحيح بل كما يكون بنصب الإمام يكون بوجود الرؤساء أهل الشوكة أو بامتناع الناس عن التنازع والتظالم فلا ينهض دليلهم العقلي المبني على هذه المقدمة‏.‏ فدل على أن مدرك وجوبه إنما هو بالشرع وهو الاجماع الذي قدمناه‏.‏ وقد شد بعض الناس فقال بعدم وجوب هذا النصب رأساً لا بالعقل ولا بالشرع منهم الأصم من المعتزلة وبعض الخوارج وغيرهم والواجب عند هؤلاء إنما هو إمضاء أحكام الشرع فإذا تواطأت الأمة على العدل وتنفيذ أحكام الله تعالى لم يحتج إلى إمام ولا يجب نصبه‏.‏ وهؤلاء محجوجون بالإجماع‏.‏ والذي حملهم على هذا المذهب إنما هو الفرار عن الملك ومذاهبه من الاستطالة والتغلب والاستمتاع بالدنيا لما رأوا الشريعة ممتلئة بذم ذلك والنعي على أهله ومرغبة في رفضه‏.‏ واعلم أن الشرع لم يذم الملك لذاته ولا حظر القيام به وإنما ذم المفاسد الناشئة عنه من القهر والظلم والتمتع باللذات ولا شك أن في هذه مفاسد محظورة وهي من توابعه كما أثنى على العدل والنصفة وإقامة مراسم الدين والذب عنه وأوجب بإزائها الثواب وهي كلها من توابع الملك‏.‏ فإذا إنما وقع الذم للملك على صفة وحال دون حال أخرى ولم يذمه لذاته ولا طلب تركه كما ذم الشهوة والغضب من المكلفين وليس مراده تركهما بالكلية لدعاية الضرورة إليها وإنما المراد تصريفهما على مقتضى الحق‏.‏ وقد كان لداود وسليمان صلوات الله وسلامه عليهما الملك الذي لم يكن لغيرهما وهما من أنبياء الله تعالى وأكرم الخلق عنده‏.‏ ثم نقول لهم أن هذا الفرارعن الملك بعدم وجوب هذا النصب لا يغنيكم شيئاً لأنكم موافقون على وجوب إقامة أحكام الشريعة وذلك لا يحصل إلا بالعصبية والشوكة والعصبية مقتضية بطبعها للملك فيحصل الملك وإن لم ينصب إمام وهو وإذا تقرر أن هذا النصب واجب بإجماع فهو من فروض الكفاية وراجع إلى اختيار أهل العقد والحل فيتعين عليهم نصبه ويجب على الخلق جميعاً طاعته لقوله تعالى‏:‏ ‏"‏ أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ‏"‏‏.‏ وأما شروط هذا المنصب فهي أربعة‏:‏ العلم والعدالة والكفاية وسلامة الحواس والأعضاء مما يؤثر في الرأي والعمل‏.‏ واختلف في شرط خامس وهو النسب القرشي‏.‏ فأما اشتراط العلم فظاهر لأنه إنما يكون منفذاً لأحكام الله تعالى إذا كان عالماً بها وما لم يعلمها لا يصح تقديمه لها‏.‏ ولا يكفي من العلم إلا أن يكون مجتهداً لأن التقليد نقص والإمامة تستدعي الكمال في الأوصاف والأحوال‏.‏ وأما العدالة فلأنه منصب ديني ينظر في سائر المناصب التي هي شرط فيها فكان أولى باشتراطها فيه‏.‏ ولا خلاف في انتفاء العدالة فيه بفسق الجوارح من ارتكاب المحظورات وأمثالها‏.‏ وفي انتفائها بالبدع الاعتقادية خلاف‏.‏ وأما الكفاية فهو أن يكون جريئاً على إقامة الحدود واقتحام الحروب بصيراً بها كفيلاً بحمل الناس عليها عارفاً بالعصبية وأحوال الدهاء قوياً على معاناة السياسة ليصح له بذلك ما جعل إليه من حماية الدين وجهاد العدو وإقامة الأحكام وتدبير المصالح‏.‏ وأما سلامة الحواس والأعضاء من النقص والعطلة كالجنون والعمى والصمم والخرس وما يؤثر فقده من الأعضاء في العمل كفقد اليدين والرجلين والأنثيين فتشترط السلامة منها كلها لتأثير ذلك في تمام عمله وقيامه بما جعل إليه‏.‏ وإن كان إنما يشين في المنظر فقط كفقد إحدى هذه الأعضاء فشرط السلامة منه شرط كمال‏.‏ ويلحق بفقدان الأعضاء المنع من التصرف‏.‏ وهو ضربان‏:‏ ضرب يلحق بهذه في اشتراط السلامة منه شرط وجوب وهو القهر والعجز عن التصرف جملة بالأسر وشبهه وضرب لا يلحق بهذه وهو الحجر باستيلاء بعض أعوانه عليه من غيرعصيان ولا مشاقة فينتقل النظر في حال هذا المستولي فإن جرى على حكم الدين والعدل وحميد السياسة جاز قراره وإلا استنصر المسلمون بمن يقبض يده عن ذلك ويدفع علته حتى ينفذ فعل الخليفة‏.‏ وأما النسب القرشي فلإجماع الصحابة يوم السقيفة على ذلك واحتجت قريش على الأنصار لما هموا يومئذ ببيعة سعد بن عبادة وقالوا‏:‏ ‏"‏ منا أمير ومنكم أمير ‏"‏ بقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ الأئمة من قريش ‏"‏ وبأن النبي صلى الله عليه وسلم أوصانا بأن نحسن إلى محسنكم ونتجاوز عن مسيئكم ولو كانت الأمارة فيكم لم تكن الوصية بكم فحجوا الأنصار ورجعوا عن قولهم‏:‏ ‏"‏ منا أمير ومنكم أمير ‏"‏ وعدلوا عما كانوا هموا به من بيعة سعد لذلك‏.‏ وثبت أيضاً في الصحيح‏:‏ ‏"‏ لا يزال هذا الأمر في هذا الحي من قريش وأمثال هذه الأدلة إلا أنة لما ضعف أمر قريش وتلاشت عصبيتهم بما نالهم من الترف والنعيم وبما أنفقتهم الدولة في سائر أقطار الأرض عجزوا بذلك عن حمل الخلافة وتغلبت عليهم الأعاجم وصار الحل والعقد لهم فاشتبه ذلك على كثير من المحققين حتى ذهبوا إلى نفي اشتراط القرشية وعولوا على ظواهر في ذلك مثل قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ اسمعوا وأطيعوا وإن ولي عليكم عبد حبشي ذو زبيبة ‏"‏ وهذا لا تقوم به حجة في ذلك فإنة خرج مخرج التمثيل والفرض للمبالغة في إيجاب السمع والطاعة ومثل قول عمر لو كان سالم مولى حذيفة حياً لوليته ‏"‏ أو ‏"‏ لما دخلتني فيه الظنة ‏"‏ وهو أيضاً لا يفيد ذلك لما علمت أن مذهب الصحابي ليس بحجة وأيضاً فمولى القوم منهم وعصبية الولاء حاصلة لسالم‏.‏ في قريش وهي الفائدة في اشتراط النسب‏.‏ ولما استعظم عمر أمر الخلافة ورأى شروطها كأنها مفقودة في ظنه عدل إلى سالم لتوفر شروط الخلافة عنده فيه حتى من النسب المفيد للعصبية كما نذكر ولم يبق إلا صراحة النسب فرآه غير محتاج إليه إذ الفائدة في النسب إنما هي العصبية وهي حاصلة من الولاء‏.‏ فكان ذلك حرصاً من عمر رضي الله عنه على النظر للمسلمين وتقليد أمرهم لمن لا تلحقه فيه لائمة ولا عليه فيه عهدة‏.‏ ومن القائلين بنفي اشتراط القرشية القاضي أبو بكر الباقلاني لما أدرك عليه عصبية قريش من التلاشي والاضمحلال واستبداد ملوك العجم على الخلفاء فأسقط شرط القرشية وإن كان موافقاً لرأي الخوارج لما رأى عليه حال الخلفاء لعهده‏.‏ وبقي الجمهور على القول باشتراطها وصحة الإمامة للقرشي ولو كان عاجزاً عن القيام بأمور االمسلمين‏.‏ ورد عليهم سقوط شرط الكفاية التي يقوى بها على أمره لأنه إذا ذهبت الشوكة بذهاب العصبية فقد ذهبت الكفاية وإذا وقع الإخلال بشرط الكفاية تطرق ذلك أيضاً إلى العلم والدين وسقط اعتبار شروط هذا المنصب وهو خلاف الإجماع‏.‏ ولنتكلم الآن في حكمة اشتراط النسب ليتحقق به الصواب في هذه المذاهب فنقول‏:‏ أن الأحكام الشرعية كلها لا بد لها من مقاصد وحكم تشتمل عليها وتشرع لأجلها‏.‏ ونحن إذ ا بحثنا عن الحكمة في اشتراط النسب القرشي ومقصد الشارع منه لم يقتصر فيه على التبرك بوصلة النبي صلى الله عليه وسلم كما هو في المشهور وإن كانت تلك الوصلة موجودة والتبرك بها حاصلاً لكن التبرك ليس من المقاصد الشرعية كما علمت فلا بد إذن من المصلحة في اشتراط النسب وهي المقصودة من مشروعيتها‏.‏ وإذا سبرنا وقسمنا لم نجدها إلا اعتبار العصبية التي تكون بها الحماية والمطالبة ويرتفع الخلاف والفرقة بوجودها لصاحب المنصب فتسكن إليه الملة وأهلها وينتظم حبل الألفة فيها‏.‏ وذلك أن قريشاً كانوا عصبة مضر وأصلهم وأهل الغلب منهم وكان لهم على سائر مضر العزة بالكثرة والعصبية والشرف‏.‏ فكان سائر العرب يعترف لهم بذلك ويسكينون لغلبهم فلو جعل الأمر في سواهم لتوقع افتراق الكلمة بمخالفتهم وعدم انقيادهم ولا يقدر غيرهم من قبائل مضر أن يردهم عن الخلاف ولا يحملهم على الكرة فتفترق الجماعة وتختلف الكلمة‏.‏ والشارع محذر من ذلك حريص على اتفاقهم ورفع التنازع والشتات بينهم لتحصل اللحمة والعصبية وتحسن الحماية‏.‏ بخلاف ما إذا كان الأمر في قريش لأنهم قادرون على سوق الناس بعصا الغلب إلى ما يراد منهم فلا يخشى من أحد خلاف عليهم ولا فرقة لأنهم كفيلون حينئذ بدفعها ومنع الناس منها‏.‏ فاشترط نسبهم القرشي في هذا المنصب وهم أهل العصبية القوية ليكون أبلغ في انتظام الملة واتفاق الكلمة وإذا انتظمت كلمتهم انتظمت بانتظامها كلمة مضر أجمع فأذعن لهم سائر العرب وانقادت الأمم سواهم إلى أحكام الملة ووطئت جنودهم قاصية البلاد كما وقع في أيام الفتوحات واستمر بعدها في الدولتين إلى أن اضمحل أمر الخلافة وتلاشت عصبية العرب‏.‏ ويعلم ما كان لقريش من الكثرة والتغلب على بطون مضر من مارس أخبار العرب وسيرهم وتفطن لذلك في أحوالهم‏.‏ وقد ذكر ذلك ابن إسحق في كتاب السير وغيره‏.‏ فإذا ثبت أن اشتراط القرشية إنما هو لدفع التنازع بما كان لهم من العصبية والغلب وعلمنا أن الشارع لا يخص الأحكام بجيل ولا عصر ولا أمة علمنا أن ذلك إنما هو من الكفاية فرددناه إليها وطردنا العلة المشتملة على المقصود من القر شية وهي وجود العصبية فاشترطنا في القائم بأمور المسلمين أن يكون من قوم أولي عصبية قوية غالبة على من معها لعصرها ليستتبعوا من سواهم وتجتمع الكلمة على حسن الحماية‏.‏ ولا يعلم ذلك في الأقطار والآفاق كما كان في القرشية إذ الدعوة الإسلامية التي كانت لهم كانت عامة وعصبية العرب كانت وافية بها فغلبوا سائر الأمم وإنما يخص لهذا العهد كل قطر بمن تكون له فيه العصبية الغالبة‏.‏ وإذا نظرت سر الله في الخلافة لم تعد هذا لأنه سبحانه إنما جعل الخليفة نائباً عنه في القيام بأمور عباده ليحملهم على مصالحهم ويردهم عن مضارهم وهو مخاطب بذلك ولا يخاطب بالأمر إلا من له قدرة عليه‏.‏ ألا ترى ما ذكره الإمام ابن الخطيب في شأن النساء وأنهن في كثير من الأحكام الشرعية جعلن تبعاً للرجال ولم يدخلن في الخطاب بالوضع وإنما دخلن عنده بالقياس وذلك لما لم يكن لهن من الأمر شيء وكان الرجال قوامين عليهن اللهم إلا في العبادات التي كل أحد فيها قائم على نفسه فخطابهن فيها بالوضع لا بالقياس‏.‏ ثم أن الوجود شاهد بذلك فإنه لا يقوم بأمر أمة أو جيل إلا من غلب عليهم‏.‏ وقل أن يكون الأمر الشرعي مخالفاً للأمر الوجودي‏.‏ والله تعالى أعلم‏.‏